حالة من التوتر والترقب تلك التي تصيب الكثير من النساء من المنام الذي يبدو سيّئا وينذر بمصيبة قادمة، تقابلها حالة من النشوة والفرحة عندما يحمل المنام دلالات مبشرة، لذلك يلجأن إلى كتب تفسير الأحلام والمواقع الإلكترونية وحتى البرامج التلفزيونية التي تعنى بهذا الباب المفتوح على الغد، بينما تفضل الكثير من النساء الإحتفاظ بالمنام السيئ في صدورهن حتى لايتحقق كما ورد في السنة النبوية، مع خوف يتململ في الأعماق، وحزن يسيطر على المشاعر.
"جواهر الشروق"تحدثت مع نساء يعشن على إيقاع المنام، فتارة يسعدن بها، وتارة تصيبهن التعاسة، مع أن مفسري الأحلام أنفسهم يعتبرون أن بعض المنامات إنما هي من عمل الشيطان ليحزن بها الإنسان، بينما تعتبر الأخصائية النفسانية التي تحدثنا معها أن الأحلام هي انعكاس لعمليات ذهنية متخفية ورسائل نابعة من اللاشعور، في الوقت الذي يرد طبيب الأمراض الداخلية الأحلام المزعجة إلى نوعية الأكل الذي يتناوله الإنسان قبل النوم.
عندما فتحنا موضوع الأحلام والمنامات مع نوّارة ش"ربة بيت"، تنهدت بعمق وقالت:"أكثر ما يخفيني في المنام أن أرى نفسي أرقص، أو أخلع ضرسي، ولا أخفيك كم يصيبني الخوف وأتكدر عندما أستيقظ على مثل هذه المنامات، لأن الذي يعقبها ليس خيرا بكل تأكيد".
وعن أثر هذه المنامات في حياتها تقول:"كم مرة رأيت نفسي أرقص في المنام فأقع بعده مباشرة في ورطة كبيرة أو أسمع خبرا سيئا عن أهلي وأقاربي الذين أحبهم، كذلك عندما أرى نفسي أخلع ضرسا، غالبا ما يصلني خبر وفاة أحد الأشخاص الذين أعرفهم، ولذلك أصبحت أخاف من المنام لدرجة أنني بت أكره النوم، وكلما استيقظت أجدني أتذكر ما رأيته، فلعلي رأيت مناما ينذر بخطر قادم، والغريب أنني نادرا ما أرى مناما يبشر بالخير ويتحقق لي في الواقع".
في السياق ذاته، روت لنا نبيلة "ماكثة بالبيت"عن حالة التعاسة التي أصابت أسرتها عندما رأت أمها في المنام جدتها لأبيها التي ماتت قبل سنوات طويلة وقد ألبستها رداء أبيضا وأخذتها معها إلى مكان لا تتذكره، تقول نبيلة :"عندما سردت علينا أمي هذا المنام شعرنا بخوف كبير، وبتنا نترقب موتها في كل لحظة٬ خاصة أنها بدأت تتصرف على أساس أنها ستموت بعد أيام٬ حيث قامت بالتصدق بأغراضها الشخصية التي كانت عزيزة على قلبها٬ وراحت توصينا بوصايا لا تصدر إلاّ من شخص شعر بدنو أجله، وما خلت بنفسها إلاّ ووجدناها شاردة الذهن، زائغة البصر أو سمعناها تستغفر وتحولق".
ولم تتمكن العائلة من مقاومة الإحساس بموت الوالدة، إلاّ عندما اقترحت عليهم صديقة مقربّة الاتصال بمفسرة أحلام تعمل بإحدى الصحف"، تضيف نبيلة : "فسّرت لنا المنام على أساس آخر٬ وهو أن أمي تكون في الفترة التي رأت فيها الحلم قد عانت من مشاكل مع أبنائها أوكنّاتها، وهو الأمر الذي جعل نفسيتها تضطرب على نحو جعلها تفكر في الموت كحل نهائي٬ وهو إحساس يكاد يسيطر على كل من تقدمت به السن، كما قالت المفسرة وطبيعي جدا أن يتدخل العقل الباطن في تشكيل المنام"، تتابع :"وبالفعل استطاعت أمي أن تتغلب على أزمتها النفسية وعادت إلى حالتها الطبيعية بعد أن روينا لها ما قالته مفسرة الأحلام.
وتسترجع وسام ع (حلاقة)، تفاصيل الحلم الذي رأته كلمّا شعرت" أنه ذو معنى، أو أنه يبشّر بخير" وهو الأمر الذي يجعلها تشعر بالسعادة، بينما لا تولي اهتماما لبقية الأحلام التي تبدو لها مجرد"انعكاس للحالة للنفسية" التي تكون عليها قبل رؤية الحلم، حيث تقول:"في المقابل هناك أحلام تشعرني أنني ارتكبت معصية وما رأيته في المنام ربما يكون إنذارا من الله عزّوجل حتى أتوب إليه".
وتشترط وسام على الأشخاص الذين تعتزم أن تروي لهم حلمها ليعبّروه لها، أن يقولوا"خير" لأن هذه الكلمة "تشعرني بأنها تحصين لي من تداعيات الحلم إذا كان سيئا"، إلا أنّ هذه الكلمة لا يكون لها مفعول السحر في كل الأوقات خاصة" عندما يتعلق الأمر بخلع الضرس أو بأكل اللحم لأن هذا الحلم في الغالب ينذر بوقوع مصيبة كبيرة مثلما تقول أمي، سيما إذا كان استيقاظ الشخص متزامنا مع آذان الفجر" .
وتفرّق محدثتنا بين الأحلام والكوابيس التي تحدث في الغالب "نتيجة القلق والضغط النفسي"، وتتذكّر في هذا السياق كابوسا أصابها بعد أن شاهدت " فيلم رعب بث على قناة" أم بي سي آكش"، حيث كان يتضمن مشاهد مرعبة لامرأة تحاصرها الوحوش وتتربص بها، "وأتذكر أنني أعدت استرجاع بعض مشاهد الفيلم في الكابوس". وتختم وسام حديثها إلينا بالقول: "أدرك جيدا أن الرغبات التي يصعب أو يستحيل عليّ تحقيقها في الواقع، تتحقق لي في شكل حلم.
ومن خلال تجربتها في تفسير الأحلام، تلاحظ الأستاذة حورية واضح، مفسرة أحلام، أن "الجزائريين، على غرار الشعوب العربية والإسلامية الأخرى، يولون أهمية بالغة للأحلام والرؤى، وقد بلغ الأمر بالكثير منهم، خاصة ممن يعانون من أزمات ومشاكل أو أولئك الذين هم مقبلون على مشاريع تجارية أو زواج أن يتموا ما قصدوا إليه أو يوقفوه بناء على رؤيا أو حلم، بل إن بعضهم يعمد إلى قطع صلة الرحم نتيجة إيمانه العميق بصدق ما رآه في المنام" .
وتذكر الأستاذة حورية في هذا السياق هذه الحادثة :"اتصلت بي فتاة شاكية لي من تصرفات عائلتها التي قاطعتها لمدة عشر سنوات كاملة بسبب حلم لأختها التي رأتها فيه أنها وضعت لها السحر في مكان ما، فحرّضت عليها أفراد عائلتها الذين كانوا سببا في إصابتها بأزمة نفسية حادة كادت أن تؤدي بها إلى الجنون، لولا أنني تدخلت وأقنعت العائلة بالدليل السني أن ما رأته ابنتهم لا يعدو أن يكون مجرد أباطيل شيطانية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي لا يستطيع الشيطان أن يتمثل به، حينها تخلصّوا من هذا الوهم، سيما وأن أخت الفتاة "المظلومة"رأت في منام آخر أن ابن عمتها هي من سحرتها"!.
و في حادثة أخرى تقول مفسرة الأحلام :"هناك فتاة في العشرين، لم تتطلع إلى تفسير حلمها عند أهل الثقة، وقامت مباشرة بفسخ خطبتها لمجرد أنها رأت في المنام أن خطيبها متزوج من امرأة أخرى لا تعرفها"!.
وتوضح حورية قائلة: "ولكن هذا لا يعني أن جميع الأحلام و الرؤى لا معنى لها، فبعضها يتحقق وفق رموز أو إشارات يستطيع مفسر الأحلام التعرف على معانيها ودلالاتها"، وتقول في هذا السياق:" روى لي أحد الأشخاص أنه رأى ميتا من أقربائه يأتيه في المنام ويقف عند بابه وينظر إليه وهو مقيد٬ ففسرت الأمر على أن المقيّد إما قد يكون معلقا بدين، أو أنه أخذ شيئا بغير وجه حق من الشخص الذي رآه في المنام ، فأخبرني صاحب الرؤيا أن الميت استولى على قطعة أرض تخصه، فطلبت منه أن يسامحه حتى يرتاح في قبره".
تعتبر الدكتورة ن . عبيد ، أخصائية نفسانية بالدويرة أنّ"الأحلام في أكثرها رسائل نابعة من عالم اللاشعور"، موضحة أنه أثناء النوم" تنخفض المراقبة الذاتية أو ما يعرف في علم النفس ب" طاقة الأنا"التي تحافظ على وضعية المكبوت العادية ولذلك" تنتهز الرغبات اللاشعورية الفرصة أثناء النوم وتظهر في شكل حلم، وهو ما قد نسميه فسحة اللاشعور" لافتة إلى أن الحلم"يمنع الرغبات اللاشعورية من الظهور في الواقع بصفة مباشرة، لأنه يكون قد حقّق لها الإشباع المطلوب"، وإلاّ"فإن الكثير من التجاوزات الأخلاقية والدينية تظهر في شكل جرائم واعتداءات على أرض الواقع" . وتتابع"لذلك يعتبر علماء النفس الأحلام عاملا مهما في تحقيق التوازن النفسي للإنسان". وتشير الدكتورة عبيد إلى أهمية تفسير الأحلام في علم النفس بقولها :"هو الطريق الأفضل لمعرفة خفايا النفس البشرية"
وتوضح" لأن الأحلام هي انعكاس لعمليات ذهنية متخفية، يولي علماء النفس أهمية بالغة للتداعيات الحرة ويفسحون لها المجال لتنطلق بحرية من أجل الحصول على معلومات خاصة بعناصر الحلم "لأن ذلك"يساعد على إدراك المضمون اللاشعوري للحلم"، وعن النساء اللواتي يؤثر المنام بشكل كبير في حياتهن، بحيث يتسبّب في تقلّب مزاجهن، تقول الدكتورة عبيد في حديثها لـ"جواهر الشروق":"المصابات بالوسواس والعصاب ترتفع معنوياتهم وتنخفض حسب طبيعة الحلم الذي رأينه، لذلك نجدهن يتوجسن خيفة من تحققه إذا كان حلما سيئا، أو يترقبن حدوثه في الواقع إذا كان حلما يحمل بشرى".
ويتقاطع رأي الدكتور فريد بوشان ( مختص في أمراض الرأس والأعصاب ) بالعاصمة مع رأي الدكتورة عبيد في الشق المتعلق بتأثير الكوابيس أو الأحلام المزعجة على الأشخاص المصابين بالوسواس والاكتئاب، ويقول:" ليس هناك شخص يسيطر عليه التفكير في الحلم الذي رآه ويفسد عليه حياته ما لم يكون مصابا بالوسواس والاكتئاب"،ويتابع : "إن الشخص غير السوي من الناحية النفسية نجده دائم التفكير في الأمور المزعجة والمحزنة وهو ما يجعله يحلم أحلاما مخيفة من شأنها أن تسبّب له التوتر بعد الاستيقاظ و تتركه يترقب حدوثها "، وعن سؤالنا عن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى رؤية الأحلام المزعجة، يقول د.بوشان: " مضادات الاكتئاب، وبعض المهدئات من بين العقاقير التي تؤثر على كمياء الدماغ، الأمر الذي يجعل المريض يتعرض للكوابيس بشكل مستمر"، وبناء على ما تقدم تؤدي الكوابيس إلى:" تدهور الحالة الصحية للمريض لكونه لا يأخذ كفايته من النوم، وبالتالي يصبح معرضا للإصابة بأمراض القلب والشرايين كما تزداد حالته النفسية سوءا"، وكعلاج لذلك، يرى أخصائي الرأس والأعصاب أنه من الضرورة بمكان"القضاء على الأسباب المؤدية إلى الكوابيس بمساعدة المريض على تحسين حالته النفسية، واستبدال العقاقير المسببة للكوابيس بأخرى لا يكون من بين آثارها الجانبية الإصابة بهذه الحالة".
ويرجع الدكتور شكري شريف(أخصائي في أمراض المعدة والأمعاء) بالعاصمة، الكوابيس في علاقتها بالغذاء إلى" الإفراط في الأكل، خاصة الدسم منه إلى درجة التخمة في الليل"ويشرح ذلك بقوله"مع قلة الحركة وعدم أخذ الكفاية من المضغ، يحدث عسر الهضم وهو ما نسميه زيادة من عملية التمثيل الغذائي في الجسم ومن نشاط المخ مما يسبّب ضيق في التنفس وتسارع نبضات القلب"، ويضيف"وهذا من شأنه أن"يسبّب اضطرابا في النوم نلاحظه في التقلّب المستمر للشخص واستحواذ الكوابيس عليه".